vendredi 21 juillet 2017

مباريات كرة القدم بالمغرب – من سيكولوجية الفرجة إلى سيكولوجية العنف-


أصبحت ملاعبنا الوطنية في السنوات الأخيرة تشهد مجموعة من أعمال العنف والشغب التي تنطلق من الملاعب وتمتد إلى الشارع, لتتحول الفرجة المفترضة إلى اعتداء على اللاعبين والحكام ,قبل أن تتوسع هذه السلوكات اللارياضية لتشمل الشارع بما يطاله من تخريب واعتداء على المواطنين وغيرها من أعمال العنف والشغب ,لكن السؤال الذي يطرح نفسه بشدة هنا، هو ذلك التحول الحاصل في البنية الجماهيرية المغربية , أي التحول من سيكولوجية الفرجة والمتعة المتقاسمة والتنافسية الودية إلى سيكولوجية الشغب أي العنف المتبادل. لكن الجديد هنا هو تعدد مظاهر العنف والشغب وتغير طبيعته ,حيث أصبحت هذه الظاهرة تتعدى حدود الملاعب ، فالكثير من الجماهير الرياضية اعتادت أن تتصرف بعد الفوز أو الخسارة بطريقة غير أخلاقية عن طريق الاعتداء على الآخرين وإلحاق الأذى والضرر بهم و بممتلكاتهم . هذا الشغب الذي أصبح يفسد للفرجة الكروية نكهتها التي اعتدناها تحت شعار "شجع فريقك واحترم خصمك".
كل هذه التحولات تدفعنا إلى طرح مجموعة من التساؤلات التي من شأنها أن تسائل هذه القضية ولعل أبرزها:
·       ماهي الأسباب التي جعلت ملاعبنا الوطنية تتحول من مكان للمتعة والفرجة المتقاسمة إلى مكان للصراعات الحادة و لممارسة العنف الجماعي المتبادل ؟
·       وهل يمكن القول أن الرغبة في المواجهة والاقتتال الجماعي كتمثلات وثقافة هو السبب الرئيسي لظهور مثل هاته الممارسات العنيفة ؟ ما الذي جعل مباريات كرة القدم تتحول مجتمعيا وسيكولوجيا من سيكولوجية الفرجة إلى سيكولوجية العنف ؟
·       وما الذي جعل سيكولوجية هذه المباريات الكروية تتحول إلى سيكولوجية الصراع والمواجهات العنيفة والنزعة إلى تدمير الآخر,كسمات وسلوكات سائدة ومميزة للتفاعلات الجماعية خلال هذه المباريات ؟
الشغب ظاهرة اجتماعية ،تظهر عندما يكون هناك تجمع جماهيري.و أسبابها معروفة قد ترجع إلى اللامسؤولية،بحيث أن الفرد والعنصر يذوب داخل الجماعة، ليتخذ بذلك سمات خاصة ما كانت موجودة فيه سابقا , أو يمكن القول أنها كانت موجودة ولكنه لم يكن يجرؤ على القيام بها أو التعبير عنها بمثل هذه الصراحة و القوة. فينتقل الانفعال بسرعة فائقة بين الاشخاص فتراهم يقومون بحالات سلوكية مرضية دون مراقبة أو ضبط ذهنيين.فالجمهور يقوده الوجدان و يصبح في حالة من اللاوعي،و يبدأ في التصرف كإنسان همجي لا يبالي بأي شيء يقف في طريقه.كما أن هذا الجمهور ساذج وقابل لتصديق كل شيء ويتلقى برحابة صدر كل الاقتراحات والأوامر، ليصبح بذلك مسيرا تحت إرادة ما. وللإشارة فقط فالجمهور لا يأبه للمكانة الاجتماعية أو الفكرية لأفراده حيث يتحرر الجاهل والأبله من الإحساس بدونيتهم وعدم كفاءتهم وعجزهم،ويصبحون مجيشين بقوة عنيفة وعابرة لكن هائلة
غير أن ما هو ملاحظ من خلال ما جرى أثناء مجموعة من اللقاءات الكروية من أحداث يؤكد أننا أمام شغب من نوع آخر قد يصعب تصنيفه ،فقد بدا أن البنية الجماهيرية تحركها أشياء غير رياضية ،والحقيقة هي أن الذي يأتي إلى الملعب أصبح يأتي بهدف أو غرض تفريغ معاناته اليومية والضغط المعيشي اليومي .فإذا ما أردنا أن نقوم بتشريح سيكولوجي لأحداث الشغب في ملاعبنا الوطنية سوف نجدها صادرة عن فئة معقدة ومؤلفة من أطياف وفئات اجتماعية مختلفة ،هي فئات تعاني غالبا من القهر والفقر والحرمان والضغط التربوي والسلطوي. من هنا نخلص إلى أن الظاهرة هي نتيجة لتداخل عوامل عدة، منها الاجتماعي   ومنها الثقافي ومنها السياسي، ومنها الأسري...
وتأسيسا على ذلك ،فإن ملاعب كرة القدم أصبحت متنفسا يعبر فيه المعجبون عن مختلف مشاعر القمع ،التي يحسون بها ،لتحقيق الذوات ،وإلقاء اللوم على الآخرين، والوقوف وجها لوجه أمام رجال الشرطة. كما يجب أن لا ننسى أن أغلب من يرتاد الملاعب هم في الغالب من الطبقة المتوسطة أو الفقيرة التي تنشأ في ظروف صعبة يطغى عليها الجهل والتهميش من قبل الدولة،ما يخلق لدى هؤلاء حالة من الاحتقان والحقد على الوضعية المزرية التي ترعرعوا فيها ويجدون من الملاعب ملاذا لتفريغ كبتهم وإسماع صوتهم.فظهور روابط الالتراس أعطى نوعا من الحرية التعبيرية وذلك من خلال اللافتات والأناشيد والتي غالبا ما تتضمن كلمات تدعو إلى العنف.
من هذا المنطلق بات علينا أن نعمل على استغلال جمعيات المحبين من مختلف الانتماءات قصد القيام بحملات تحسيسية وتأطير الجماهير ونشر الوعي الرياضي. ولا بد من دعم مجهودات المقاربة النفسية الاجتماعية التي تبقى أكثر فاعلية في ظل تراجع فاعلية المقاربة الأمنية ، ومن جهة أخرى العمل على منع القاصرين من ولوج الملاعب والتصدي للمتعاطين لأنواع الخمور والمخدرات والحبوب المهلوسة ,مع ضرورة تطبيق القانون بحذافيره وعدم التسامح حتى في حق القاصرين , فأحداث الشغب اليوم،تبين كما لو أن هناك اتفاقا مسبقا للقيام بالشغب ،وأن اجتماعات تتم بطريقة مسبقة ،حيث يتم التسلح بأنواع مختلفة من حجارة وسلاح أبيض وعصي إلى غير ذلك من الأسلحة ، ومن جهة أخرى ،إذا أردنا القيام بمقاربة بين الماضي والحاضر،سنجد أن الفرق شاسع للغاية ،فقد كانت العلاقة في السابق تقوم على الود والاحترام بين الجماهير والأندية ،وكان هناك وعي رياضي كبير،وكانت الروح الرياضية طاغية على فكر الجماهير،مما جعل حالة الشغب بمفهومه الرياضي نادرا جدا ،علما بأن ظلم الحكام وسلوك بعض المسيرين كان سمة بارزة في العديد من المباريات ،غير أن الأمور لم تكن تصل إلى حد ما نراه اليوم. فالتطور الهائل للماكينة الاعلامية والاستغلال السياسي الفاضح للجماهير الرياضية في الحملات الانتخابية كلها أمور ساهمت في الرفع من الشغب إلى أقصى مستوياته فالجماهير كانت تحب العرض الفني الجيد وتشجع حتى الفريق الضيف إن هو قدم مستوى كرويا في المستوى ،لكن اليوم أصبحنا نعيش حالات شادة ،فالفريق سواء انتصر أو تعادل أو انهزم يحدث الشغب في الملعب والشارع ثم الحي ,بل الخطير أنه قد نسجل حالات وفاة متكررة وهذا خطير للغاية.
إن ما نشاهده اليوم من أعمال عنف وشغب في ملاعبنا الوطنية هو نتاج لمجموعة من المتغيرات التي حدثت في المنظومة الجماهيرية فظهور الالتراس ساهم في تأجيج الصراع بين جماهير الأندية المتنافسة فأصبحنا نشاهد فرجة من نوع  آخر فرجة قد تتخد منحى إيجابيا قد يتمثل في التشجيع اللامشروط للفريق سواء كان منتصرا أو منهزما،وقد تتخد منحى سلبيا يتجلى في الممارسات العنيفة سواء داخل أو خارج الملاعب.
ولتقريب الظاهرة أكثر والتأكد من صحة ما تم ذكره سابقا،نضع أمامكم خلاصة بحث ميداني قمنا به ، حيث أن  76 % من أفراد العينة المدروسة أكدوا عدم جدوى المقاربة الأمنية التي تتخد منحى زجريا أكثر منه وقائيا في ظل التطور السريع للمجتمع المغربي، كما يجب إعادة النظر في المصطلحات المستعملة في الخطاب الإعلامي الرياضي وطريقة التعليق والتحيز والتهويل من الانجازات الكروية ما جعل من بعض الأندية هما من هموم الناس اليومية. 10 % صرحوا بأن الشغب ناتج عن  غياب التواصل وتكافل الجهود بين جميع الأطراف المعنية من مكاتب الفرق وجمعيات الأنصار والمحبين لذا فإن الأمر يستلزم الحوار القبلي بين جميع المتداخلين من جماهير الفرق المتنافسة.14 % أكدوا بأن ثقافة العنف هي نتاج غياب قاعدة مجتمعية صلبة وسليمة ومنظومة تعليمية فعالة مسايرة لتطلعات كل الشرائح المجتمعية ، وروابط الالتراس كانت بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير فيما يتعلق بالعنف.

Azeddine EL MOUDDEN

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Creative PDF Download